عيناها.. فجأة تمتلئ بالدموع.. ثم تنزلق بسرعة على حافتي وجهها الشاحب المرهق.. تتأمل الأجهزة التي أمامها.. شاشة عليها أرقام ورموز معقدة بلون أحمر.. خط أخضر يسير بارتفاع وانخفاض بدون وجهة محددة.. صوت مزعج يدق في أذنها مرة كل ثانيتين يذكرها بجدية قاسية بعدد نبضات قلبه المتأرجحة بين الحياة والموت.. قناع تنفس على وجهه.. ومشبك بلاستيكي يضغط على أصبعه السبابة..
أسلاك كثيرة على صدره تتشابك مع يديها.. تشوشان عليها لحظة احتضان جسده الذي أصبح بارداً جافاً..
عيناهُ.. شبه مغلقتان.. يحاولُ جاهداً أن يبقى مستيقظاً..
يتمتم ببضع كلمات بين الحين والآخر.. لكنها لا تستطيع أن تفهم منها شيئاً.. تتذكر عندما كان أصغر بسنتين يتعثر في الكلام.. تفهمه جيداً.. وتعلمه النطق كما كانت تعلمه المشي على حافة السرير والأكل بالملعقة..
أصوات كثيرة تدخل أذنها.. كلمات.. بكاء.. نحيب.. نفاق.. عيون تترقب بحزن وأخرى بشماتة.. إعلان لحظة الوفاة..
قال لها فجأة وبصوت واضح:
ما تخليني يا ماما..
تملكها اليقين.. واجتاحت روحها نفحات الصبر.. طبعت على جبين صغيرها قبلة عميقة.. وقالت له:
ما حأخليك..
احتضنته كثيراً كأنها أرادت أن تقاسمه شيئاً من روحها..
وقالت: بس ما تنسى ماما.. كويس حبيبي؟؟
تاهت أصوات الحروف في فمه وهو يحاول أن يرد عليها.. في اللحظة التي سمعت هي فيها صفير الجهاز.. وبكاء قادم إليها بصوت متصاعد.. ولون قاتم اكتسى عينيها المرهقتين..
على الهامش:-
إلى أمي.. لا شيء في الدنيا كلها يشبهك..
إلى أبي.. ضللت الطريق عندما بحث عن رجل يداري أنوثتي غيرك..
إلى رجل المستحيل.. سأنكسر لك عندما أكون بداخلك الضلع الأعوج..