المطر يأتي من الشرق





أستطيع أن أراك بوضوح.. تقف على الشرفة.. من داخل شقتك البعيدة عن الأرض.. تمسك بيدك كأس لمشروب ساخن ويدك الأخرى في جيبك.. تُطالع المارة.. بدأوا يتناقصون في الشارع.. تنتبه لأطراف نافذتك الخارجية التي يكسوها الجفاف والغبار.. إنها تمطر بعيداً عن محيطك.. ملامحك أيضاً عليها غبار.. كأنك لم تغادر منزلك منذ عدة أيام!!
الفصل خريف.. يهطل المطر كل يوم في مدينتك العصرية ويتلاشى بدون أن يترك أثراً.. لقد اعتدت فيها الثلوج والبرد المتراكم يحيط أطراف الزجاج.. لأن البرد قادم من الغرب.. والمطر يأتي عادة من الشرق.. حيث تنتمي.. لكنك اخترت منزلاً غربي الإيقاع والإتجاه..
إنه وقت مناسب كي تستكين بضع ساعات في حضرة الماء القادم من أجلك.. من أجلنا.. حان الوقت للبحث فيك عن النقاء.. أنصت إلي.. اتبع صوتي فهو قادم إليك من داخلك.. كي يأخذك إلى خارجك.. أغمض عينيك.. ثم افتح روحك للسماء.. تمطر الآن بغزارة.. أراها تتسرب في أوردتك.. بين خلاياك التي لم تحركها منذ زمن.. تغسلك من الحلم المحطم والأمل المزيف والأوجاع التي صاحبتك وأنت تراها آمالك وأحلامك ترحل بعيداً عنك.. وأنت الذي ابتعدت عن كل هذه الأمطار من أجل ارتعاشة يديك في الإمساك ببياضها الثلجي..
لا تفتحهما.. أغمض عينيك حتى لا تشعر بالبرد من أعينهم أولائك الغرباء وهم ينظرون إليك.. إلى روحك عارية وسط زحام مشاعرهم حين ألبسوها أغطية مطاطية كي لا تبتل..
لا تفتحهما عيناك إلا عندما تقف السماء عن إرسال الخير..
لا تفتحهما إلا عندما تستفيق بداخلك بُصيلات الحنين إلي..
لا تفتحهما حتى تغزوا أنفك المحطم رائحة الطين الذي خلقت منه.. عندها فقط ستعلم أنك عدت إنساناً سوياً طاهراً يستحق أن يفتح عيناه أينما كان فيراني..
استنشق هذا الهواء الرطب..
أتشعر بالإنتعاش؟؟
كنت أعلم أن هذه الرائحة تستطيع أن تطمر في داخلك السوء الذي رافقك مذ أصبحت رجلاً يطارد الشقراوات.. يتناول الكحول مساء كل يوم معهن.. ثم يرتمي بين أحضان سرير بارد أبيض علقت به رائحة غرباء سبقوك..
اليوم تذكرتك عندما أمطرت علينا غيمة صغيرة أتت بها استسقائات الدعاة بالخير فأرسلتها لك.. استغثتُ السماء اليوم كي تمطر هناك من أجلك أنت.. بعض مطر من حنين قد يرد شوقاً ضاع منك ذات اغتراب.. وقد فعَلت السماء.. أشعر بذلك.. أستطيع أن أراك..