شاهدنا خلال الأسابيع الماضية مباريات كأس الخليج لكرة القدم الحادي والعشرين المقامة في المنامة (البحرين).. والتي استحوذت على اهتمام بالغ من القنوات الرياضية والإخبارية الخليجية والعربية على حد سواء بشكل ملفت وأنيق لكل من لم ينتبه لهذه البطولة من قبل..
وقد قامت هذه القنوات بشحذ كل مدخراتها الفنية لتغطية الحدث الرياضي الأبرز في تلك المنطقة هذه الفترة.. حيث أن جميع الدول الخليجية تولي هذه البطولة اهتمام مختلف عن باقي البطولات.. فيستعرض كل منتخب أبرز التحديثات الفنية.. أقوى الجماهير.. ألمع نجوم الكرة المحليين.. أمهر المحترفين.. وطبعاً آخر ما تصدره لهم منتخبات الشباب.. تلك الزهور اليانعة التي تفتحت في ملاعبهم الصغيرة واستحقت التواجد في ملاعب المحترفين..
لا يخفى على خاطر كل متابع للبطولة المستوى المبهر الذي ظهر به المنتخب الإماراتي الفتي الفائز بهذه النسخة من الكأس.. حيث أنه كان يحتوي على أكثر من نصف منتخب الشباب بالإضافة إلى لاعبيه الأساسيين.. والذي لم يكتسح خبرة بقية المحترفين الخليجيين فقط بل وأثبت أن الصبر رغم طوله هو أفضل طرق النجاح وأن من يزرع بذرة طيبة لابد أن تزهر له حقل من السعادة في يوم من الأيام..
قائد ذلك المنتخب كان مدرباً إماراتياً (محلياً) دأُب على تدريب صغاره البراعم ثم تحول بهم إلى منتخب الشباب الذي نافس عالمياً حتى وصلوا لكأس العالم للشباب في لندن لأول مرة في تاريخ الإمارات.. والآن بات ينافس بهم لحصد الكؤوس والبطولات بين المحترفين وذوي الخبرة..
أليست هذه التجربة تستحق التوقف والتأمل؟ تأهيل موهوبين صغار بواسطة رعايتهم وتدريبهم على أسس فنية مدروسة منذ وقت مبكر ثم الوصول بهم للاحتراف..
ألم ينتبه الرياضيون في السودان بعد أن هذا النوع من (التهجين) هو بالتحديد ما ينقصنا لخلق جيل جديد من لاعبي كرة القدم لخلافة الجيل الحالي والسمو بالرياضة الأكثر جماهيرية لحدود أبعد من مباريات القمة المبجلة؟
ألم يحن الوقت لمنح الثقة للمدرب السوداني لقيادة منتخب؟
أليس من حق المشجع السوداني أن يحظى بمثل تلك الإنتصارات؟
كرة القدم لعبة تحتمل الفوز والخسارة ونحن نقبل فيها تقلب دورانها لحساب فريق ضد آخر.. ففائز اليوم خاسر الغد بالتأكيد والكرة دوارة.. لكننا مللنا من تذيل الترتيب والتصنيف الأفريقي والعالمي وانحسار المشاركات والبطولات على حساب منتخبات وفرق ليس لديها ما تخسره أصلاً..
غيرتي من فرحة أولائك المشجعين وهم على أرض الملعب يهتفون بأسماء بلدانهم ويرفعون راياتها أو يحملونها على صدورهم هي ما دفعتني للكتابة هذا اليوم.. فليبدأ الرياضيون السودانيون (غير المهتمين في حقيقة الأمر) بدراسة التجربة الإماراتية بجدية والاهتمام بأمر الرياضة والرياضيين باعتبارها هماً وطنياً يقاسم أجندات المسؤولين السياسية..
فإنسان هذه البلدة البسيط يستحق أن يحظى بفرحة من نوع مختلف تبدد عليه عناء المعيشة أو تُضخم داخله مضغة صغيرة تسمى الوطن.. لعل ذلك يعود علينا بالخير..
كتب المقال لصالح جريدة الجريدة السودانية