مواسم مكررة


مر العيد هذا العام بسلام مع أمطار الخريف الغزيرة والتي رغم جوها الجميل خلفت في عاصمتنا الخرطوم أطناناً من الطين من الصعب أن تجف بسرعة.. لتعيق حركة السير بالعربات والمشاة وتجبر الكثيرين على اختصار المعايدة بالهاتف والجلوس أمام التلفاز..
وعندما يبدأ التقليب بين القنوات السودانية نكتشف كمية من البهرجة والألوان الكتيرة التي تكتسي المذيعات وحتى المذيعين في عرض واضح لمحلات التياب والبدل والكوافرجية.. متغافيلن (ربما بسبب اللخمة) عن طبيعة المادة المطروحة والضيوف المملين والأسئلة الباهتة.. ليدور المقدم بضيوفه في حلقة مفرغة (ويتونسو في مواضيع عايمة) عن شكل الحياة في الستينات والسبعينات وما قبلها والأعمال والإنجازات التي يوثق بها الضيف الكريم مسيرة حياته ونحصل في النهاية على فائدة بعدل صفر كبير.. ويكون الموسم ضاع علينا من غير إضافة حقيقية للإعلام أو للمجتمع..
المؤلم في الأمر أن الشاشة السودانية (فنياً وتقنياً) غير جاذبة أصلاً للمشاهد رغم محاولات القائمين على كل القنوات الفضائية لاكتساب أكبر عدد من المشاهدين في المواسم المهمة مثل رمضان والأعياد والتي يلتف فيها السودانيون في الداخل والخارج حول شاشات الوطن بشكل تلقائي في محاولة لاستجماعه حولهم.. ويصتدم المشاهد المسكين بالفراغ في المضون.. وبالرغم من الحركة الأدبية والفنية النشطة في مواقع التواصل الإجتماعية والتي عند مقارنتها بالمحتوى الإعلامي الذي يرتكز بشكل غير مقبول على نوع معين من البرامج وفئة محددة من الضيوف تتكرر كل موسم بالتناوب على محطاتنا الشحيحة.. لتكتشف بطريقة ما أن هنالك جيل كامل من المواهب والواعدين يعيش في الظل مدفونناً بأمجاد جيل آخر يصر على تنصيب نفسه بـ (الما حيتكرر على البلد دي زيو)..
نحن بحاجة لإعادة ترتيب الأولويات.. فالحديث عن الماضي ومحاولات نسخه في الحاضر لن تزيد من خطواتنا باتجاه المستقبل.. هذا إن لم تعرقله كما نخشى..
والأمر في الآخر عبارة عن (طريقة تفكير).. وما على الشاشة يعكس ما في رؤوس وأدمغة القائمين على هذه القنوات.. والذي يبدو أنه يحتاج إلى مراجعة.. فالمنافسة أصبحت عالمية لا تقتصر فقط على الشاشات العربية.. وإن كان (الموضوع خطير) ولابد من تقليد الغير.. فنقلدهم على أن تكون الفائدة هي راس مال البرنامج.. وليس الترفيه فقط