بين النيل والخليج .. قصة آسرة طموحة




سلمى الجيلي إحدى أبرز شخصيات مجمع الهندسة بجامعة الخرطوم بين عامي 2006 و 2011 بنشاطها الثقافي وحصيلتها العلمية المميزة، تصبح اليوم واحدة من أهم المهندسات السودانيات، حيث تدرس الماجستير ضمن فريق من الباحثين بالجامعة الأمريكية بالشارقة في أنظمة نقل الدواء  لتطوير تقنيات علاج السرطان.


لنبدأ القصة من الخلف، في قسم الهندسة الطبية الحيوية بدأت سلمى دراستها العليا كطالبة مساعدة لدكتور غالب الحسيني في تصنيع أغلفة أدوية السرطان، لتستهدف فقط المناطق المصابة بالسرطان ولا تؤثر على الخلايا السليمة.

بدأوا من الصفر حسب ما ذكرت، فعند وصولها للجامعة كان الدكتور غالب قد تحصل لتوه على منحة العمل على المشروع من الجامعة، وانضمت إليه دكتورة آنّا كمشرفة على تقارير المعمل ودكتور محمد الصيّاح من قسم الكيمياء لمدهم بالنظريات وبروتوكولات العمل.
الهدف من هذا المشروع هو صناعة أغلفة لأدوية السرطان بحجم النانو، لتستهدف بعد حقنها للمريض الخلايا السرطانية فقط، ثم تسلط الموجات فوق الصوتية على المنطقة التي يتركز فيها الدواء فتتفتح هذه الأغلفة. وتضاف البروتينات للأغلفة المحتوية على الدواء فتنجذب داخل الجسم نحو الخلايا السرطانية ويتراكم عليها الدواء.

هذه هي المرحلة الأولى من تجربة العقاقير الطبية، والتي يمر بها جميع الباحثين في تصنيع الأدوية قبل المصادقة على فعاليتها. تنقسم المرحلة الأولى فيها لخطوتين: تجربة مبدأ عمل الدواء معملياً ثم تجربة الدواء على خلايا سرطانية، وهي الخطوة التي يعمل فيها فريق الباحثين الآن لرفع نسبة كفاءة العلاج.
في المرحلة الثانية يتم تجربة النظرية مخبرياً على الحيوانات ثم سريرياً على عدد من المرضى حتى يصبح الدواء مجازاً من وكالة الأغذية والعقاقير الطبية.

بالطبع لم يتحصل الباحثون على هذه النتيجة من المرة الأولى، فالحصول على نتيجة إيجابية استغرق عام ونصف من المحاولات الفاشلة التي يعقبها تغيير في بروتوكولات العمل أو التراكيز المواد أو نوعيتها.


يستهدف هذا البحث أكثر نوعين شائعين من السرطانات وأكثرها خطورة، وهما سرطان الثدي والبروستاتا، ويتغير علاج نوع السرطان بتغير نوعية البروتينات المستخدمة.

هذا البحث بطريقة عمله هذه يعتبر الأول من نوعه في العالم، وإذا ما تم الإنتهاء من جميع مراحله سيحصل على براءة اختراع، وبالتأكيد سيحدث تغييراً في مجال علاج الكيماوي.

أنهت مطلع هذا العام سلمى مهمتها في البحث، والتي بدأت في 2012، حيث كانت تقوم بتصنيع أغلفة الأدوية واختبار فعاليتها معملياً مع الموجات الصوتية في المرحلة الأولى، والإشراف على طلاب الجدد في الماجستير والبكلاريوس الذين تجاوز عددهم العشرين طالباً الآن.

عندما يبدأ مريض السرطان العلاج الكيميائي (Chemotherapy) تصاب الخلايا المصابة بالسرطان والخلايا السليمة، ويترتب على ذلك زيادة إفراز الخلايا البيضاء التي تعتبر خلايا مناعة الجسم، بالإضافة لتساقط الشعر وانعدام الشهية وأعراض العلاج الأخرى.
اختارت سلمى هذا المشروع وهي تقول: جربت جيداً كيف نفقد العزيزين علينا بسبب المرض، وأدرك أنه إذا أمكنني أن أساعد شخصاً ما في العيش ليوم واحد سيترك ذلك فرقاً، بالإضافة لرغبتي في تحقيق أمنية والدتي بدراسة الصيدلة، كان هذا المشروع هو المناسب.




في حصيلتها عدد من الأوراق العلمية، ورقتين علميتين نشرتا في عام 2014 لمجلة (
Drug Targeting) بعنوان The use of ultrasound to release" chemotherapeutic drugs from micelles and liposomes"، "Release of calcein from stealth and normal liposomes using low- and high-frequency ultrasound: A comparative studyكما ستقدم ورقة ثالثة في المؤتمر الثالث عشر لعِلم النانو بعنوان "Release of calcein from liposomes using low- and high- frequency ultrasound".

سلمى التي قادها شغفها بالتعلم وزيادة تحصيلها الأكاديمي، بدأت رحلة ملهمة في البحث عن المنحة المناسبة وخطابات التوصية من أساتذة الجامعة وامتحانات التقديم، كان بجانبها والداها إخوتها وأصدقاءها بما فيهم خالد البرير الذي كان يقول: "أنا شايفك في الحتة دي .. إنتي بتصلحي للحاجة دي .. أعملي الماستر وقوي شهادتك وأي حاجة ملحوقة، إنتي بتقدري بالعلم تصلي لحتة ما وصلها زول غيرك".
توفي خالد بعد وصولها للإمارات بإسبوع واحد، وكان هذا الحدث العنيف في حد ذاته دافعاً لها لتكريم ذكراه، وتقديم أفضل ما لديها.
سلمى الجيلي عبد الكريم ذات 26 عاماً، ولدت بالخرطوم درست ونشأت بالإمارات العربية المتحدة ثم انتقلت للخرطوم مرة أخرى، وبوالد مهندس وأخت مهندسة كان الخيار محسوماً لديها ماذا ستدرس، لكن تولد السؤال: أي هندسة في الهندسات؟
تقول سلمى: حتى السنة الخامسة لم استوعب جيداً معنى الهندسة الكيميائية، فكلما تصورت لها تعريفاً أجدها أكبر منه.
سألتها: كيف أصبح تعريفك للهندسة الكيميائية الآن؟
هي الهندسة التي تتوسط كل الهندسات، وتشمل كل العلوم الموجودة، تقوم بسد الثغرات بينها، تشبهني بشكل ما.

كل هذه السيرة العلمية البراقة، تحمل أيضاً رصيداً مبهراً من الإنجازات الأدبية والثقفاية والإعلامية والنشاط الطلابي داخل الجامعة، والذي شكل تحدياً بالنسبة لها لإثبات قدرة الطالب على التميز أكاديمياً واجتماعياً. خارج النشاطات الجامعية حصدت جائزة مطبعة أوكسفورد للقصة القصيرة بالمرتبة الثالثة بنص (تحت خط القطر)، والمرتبة الأولى في الشعر بنص (في شأن حبك من جديد)، وجائزة تعليم الشعرية في مهرجان طيران الإمارات للآداب في عام 2014. كما شاركت في مهرجان الشارقة عاصمة الثقافة العربية وتم تكريمها من قبل لجنة الجائزة في نفس العام.

وعن جامعة الخرطوم تقول: سنوات الجامعة هي أجمل سنوات عمري، فهي شكلتُ نضجي ووعيي، فهمت من أنا .. وإلى أين أسير .. وماذا أريد .. وكيف سأنجزه. التقيت فيها بأهم الشخصيات التي قابلتها في حياتي والذين يشار لهم بالبنان.
تحتضن هذه الجامعة كل الإبداع والتميز علمياً وأكاديمياً وفكرياً بأفضل صورها، عندما أقارنها بالجامعة الأمريكية هنا والتي تعتبر الأولى في الإمارات فـ (هناك قضينا جامعة .. عشنا جامعة حقيقية)، الجامعة ليس فقط أن تتفوق أكاديمياً بل أن تكوّن شخصيتك وتبنيها وهو الدور الذي قامت به جامعة الخرطوم بالنسبة لي.


النصوص الفائزة:
تحت خط القطر:
http://goo.gl/1pDTws
في شأن حبك من جديد:
http://goo.gl/XbIPx1
تقريرقناة أبو ظبي: http://goo.gl/eQ173r


تسنيم دهب