شهدي الحاج


 

استقبلنا ظُهر الأربعاء الحادي والعشرين من سبتمبر 2016 خبر وفاة شهدي الحاج، رحيل مفاجئ هز وسط العمل المدني في الخرطوم. فالشاب العشريني المعروف بنشاطاته المرتكزة على دعم الشباب كان يُعتبر بين أقرانه أحد أهم قياديي الوسط الثقافي والإعلامي في السودان، صاحب الهمة العالية، المشجع الدائم المؤمن بقدرات من حوله، المحب للخير والمبادر الأول لمساعدة الجميع، ينجزه مهامه في صمت، وكان لوجوده في أي مشروع أن يخلق زخماً من العمل الدؤوب والنتائج الإيجابية. ويرى فيه كل من عمل إلى جانبه مشروع قائد متميز وثروة حقيقية يتوقع منها الكثير.

حياته

شهدي عبد القادر محمد الحاج الشاب الأمدرماني، الأخ الأكبر لثلاثة إخوة، ولد عام 1988 في مدينة كوستي، قضى سنوات حياته الأولى في المملكة العربية السعودية، التحق بالمدراس العالمية في الرياض، كان متفوقاً في دراسته كما عرف عنه، انتقل إلى الخرطوم في 2006 مواصلاً دراسته في كمبوني. عمل لصالح أكثر من جهة بوظائف مختلفة، ثم اتجه إلى العمل المدني في 2013 عبر عدد من المحطات التي كرس فيها حياته لاستخدام الإعلام والتكنلوجيا والإبداع والفنون لخلق مواد ذات أهداف تنموية وتوعوية، واستثمر في بناء قدرات ومهارات الشباب وتوظيفها من خلال التدريب، وقام بتوفير الموارد لإنتاج إعلامي صوتي وبصري مختلف، وخلق شراكات مع عدد من مؤسسات المجتمع المدني في السودان، واستطاع بعزيمة المثابر خلق شبكة علاقات دولية متينة من أكثر من مؤسسة عالمية.


 

مسيرته:

يس أكاديمي سودان Yes Academy Sudan
عمل شهدي الحاج منذ 2013 كمدير لبرنامج يس أكادمي سودان أو برنامج تميز الشباب على المسرح (Youth Excellence on StageYES)، والذي تنفذه أمريكن فويسز حول العالم، وهو برنامج تدريبي للشباب لتعزيز إمكانية فهم الثقافة والفنون المسرحية والتبادل الثقافي مع الولايات المتحدة، تدرب فيه أكثر من 60 شخصاً على الموسيقى الكلاسيكية، الغناء والرقص بأنواعهما المختلفة، الأداء المسرحي، وقاموا في نهاية البرنامج التدريبي بإقامة حفل ختامي. ثم تطورت الفكرة أكثر في 2014 لتستوعب الإنتاج الإعلامي بشقيه الصوتي والبصري، والفنون الأدائية لثلاثة دورات تدرب خلالها أكثر من 50 شخص وتحت مظلة يس أكادمي سودان وسودانيز فويسز.


نعم نحن نستطيع Yes we can
في أبريل 2014 أسست سارة محي الدين مبادرة نعم نحن نستطيع، المبادرة كانت تهدف لتحفيز الخريجين وتوعيتهم بالمهارات المطلوبة في سوق العمل، وكان الفقيد أحد مؤسساً مشاركاً بالإضافة لكونه متحدثاً ومشاركاً في تنظيم الفعالية.


سودانيز فويسز Sudanese Voices


في 2015 أعلن شهدي الحاج عن مؤسسة سودانيز فويسز، وهي مؤسسة غير حكومية تعمل في مجال تنمية الشباب المبدع إعلامياً في مجالات التصوير وإنتاج الأفلام وهندسة الصوت، وتطويرهم والاستثمار في مهاراتهم، وتمكينهم وتمليكهم القدرة على التأثير بشكل إيجابي على المجتمعات المحلية من خلال وسائل الإعلام، عبر إنتاج أعمال فنية مبتكرة ذات تأثير فعال وبنّاء وذو قيمة تعزز من صورة السودان والسودانيين داخلياً وخارجياً. تعمل المؤسسة على مسارات أربعة لتحقيق أهدافه وهي: التنوع والهوية الوطنية، المرأة والقضايا الإجتماعية،  التنمية والتعليم، وبناء السلام.


أولى نشاطات سودانيز فويسز كانت ورشتي الإنتاج الإعلامي والصوتي في أواخر عام 2014 ومنتصف 2015 بالشراكة مع أمريكن فويسز وبرنامج يس أكاديمي، وتخرّج منها حوالي أربعين طالباً وطالبة تلقوا تدريبهم على يد مختصين في المجال الإبداعي الإعلامي، وأنتجوا عدداً من الأفلام الوثائقية وفيديوهات الإعلانات التوعوية والتسجيلات الصوتية والأغاني وبمستوى عالٍ من الكفاءة. وانضمت إليها في العام الحالي إس في آرت برودكشن (SV Art Production) التي أسسها بالشراكة مع إن ديب فيجن (In Deep Vision) وأوتوميشن (Automation) كذراع تجاري يعمل على ذات الأهداف. لتصبح المؤسستان منصتان يجتمع فيهما المبدعون باختلاف فنونهم.


سوبر زول SuperZol

في قمة التواصل الاجتماعي (social good summit) في سبتمبر 2015 التي نظمها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في السودان، حصل فريق سوبر زول على المركز الأول من بين 250 شاباً وشابة يحملون قرابة الأربعين فكرة متنافسة.
الفريق المكون من ستة شبان وشابات عمل على تصميم وتطوير لعبة تعليمية للتغيير الاجتماعي تستهدف الأطفال السودانيين الذين تتراوح أعمارهم بين 5-12 عام، وصممت بهدف غرس قيم السلام والتماسك الاجتماعي والثقافة القومية، لتصبح قادرة على تنمية إدراك الطفل وفق ثلاثة مستويات: التجوال في مناطق السودان المختلفة، الحكايات عن الأبطال والشخصيات التاريخية، والقسم الأخير كان لتعليم الطفل أساسيات السلامة والحماية داخل المنزل أو خارجه.
مؤمن محمد أحد أعضاء الفريق يقول: "مساهمة شهدي كانت فعالة جداً، فقد قام بتطوير اللعبة وكيفية صياغتها لتتماشى مع أهداف التنمية المستدامة بالإضافة إلى اهتمامه بالجوانب المالية".
القمة تهدف لتعزيز مهارات الشباب في مجالات الابتكار وريادة الأعمال والتكنولوجيا ووسائل الإعلام الجديدة، ومساعدتهم لتطوير حلول مبتكرة وملموسة لقطاعات التنمية في المجتمعات المحلية.


هولا HOLLA

في هولا، برنامج تدريب وتمكين القيادات الشابة في القرن الأفريقي الذي تم بإشراف المجلس الثقافي البريطاني والاتحاد الأوربي كان شهدي أحد القادة الأفارقة الشباب الذين تم اختيارهم لتنفيذ المشروع، والذي كان يهدف إلى استخدام الفنون من أجل التنمية وإشراك الشباب في السياسات التمازج المجتمعي في السودان وجنوب السودان وأثيوبيا عبر الورش التدريبية والمهرجانات الثقافية والأنشطة ذات الصلة.
كان للفقيد بصمته الواضحة في هولا، حيث يقول زمليه عمرو بدر: "كل شاب شارك في التخطيط والتنفيذ ضمن فريق العمل حسب مهاراته وخلفية عمله، كان شهدي الشاب قوي الملاحظة، صاحب التفكير المنطقي والنقدي القوي، وصاحب روح المبادرة، كان يستطيع جمع وصياغة أفكار الفريق بصورة سلسلة، ودائماً ما ينجز التزاماته في وقتها، كما أنه في الفترة الأخيرة من المشروع تولّى منصب منسق المشروع".


مؤتمر الشباب والمشاركة السياسية في القرن الأفريقي  Youth and Policy Engagement in the Horn of Africa
في مارس 2016 في تشاتام هاوس بلندن شارك شهدي الحاج في المؤتمر الذي انعقد بتنظيم من قبل المعهد الملكي للشؤون الدولية والمجلس الثقافي البريطاني ومشروع هولا وبرعاية من الاتحاد الأوروبي. المؤتمر استمر ليوم واحد، ونوقش فيها دور الشباب في مستقبل القرن الأفريقي في كلٍ من إثيوبيا والسودان وجنوب السودان  في قضايا التنمية ذات الأهمية القصوى، مثل بناء السلام والمصالحة والتعليم والتوظيف.
قال شهدي على صفحته في فيسبوك آن ذاك: "لقد عبرت عن رأيي عول تشجيع الحوار حول السياسات وفتح آفاق لإشراك الشباب في اتخاذ القرار في لجنة مكونة من الوزراء والمفوضين ورجال الأعمال والأكاديميين والقادة الشباب".


يالي  YALI
 
آخر مشاركات الفقيد كانت في الولايات المتحدة الأمريكية التي ابتعث إليها ضمن ألف شاب وشابة من أفريقيا ضمن برنامج واشنطن لزمالة مانديلا للقادة الأفارقة الشباب (يالي)، حيث مثل السودان بجانب أربعة عشر شاباً آخر. منحة الزمالة المقدمة من قِبل الرئيس الأمريكي باراك أوباما والتي تهدف إلى إيجاد حلول للتحديات التي تواجه الجيل الأفريقي القادم.






دعمه للمبادرات:
مشروع قيادة المرأة في السودان Woman leadership SD
في مشروع قيادية المرأة الذي قامت بتأسيسه سارة محي الدين، كان شهدي داعماً وشريكاً مساهماً في الجوانب التقنية والإعلامية منذ بداية المشروع في أغسطس 2015. المشروع الذي يهدف إلى تحفيز النساء السودانيات
بدأ منذ تأسيسه بالورش التدريبية في جامعتي الأحفاد والخرطوم.


مبادرة تدريب الأطفال لصناعة الفيلم  Filmmaking for Children
مبادرة تدريب الأطفال لصناعة الفيلم تقوم على تمليك الأطفال من جميع الفئات العمرية المهارات اللازمة لصناعة الفيلم، ابتداءً من الكتابة مروراً بالتمثيل والتصوير وحتى الإنتاج والمونتاج، ضمن فرق العمل التي تتشكل بواسطة الأطفال نفسهم. دربت المبادرة 37 طفلاً خلال موسمين منذ انطلاقتها في يناير 2015، وأنتجت 27 فيلماً حتى الآن.

شهدي كان مهتماً بالمبادرة منذ لحظة التأسيس كما يقول مصعب حسونة مؤسس المبادرة: "اقترح شهدي تدريب الأطفال بوسطة أعضاء سودانيز فويسز على إنشاء قناة على يوتيوب، لاقتناعه بأهمية هذه الخطوة في مسيرتهم، ففتح لنا قاعات المقر للدراسة، بالإضافة لاستضافته الأطفال في استوديو سودانيز فويسز الصوتي. وقدم لنا خدمة قيمة جداً، وهي تسجيل أغنية لواحد من أهم أفلام المبادرة. وما لا أستطيع أن أنساه إطلاقاً هو متابعته ووقوفه بصورة شخصية على حفل تدشين الموسم الأول من لحظة بدايته وحتى الختام.
في الموسم الجديد قدم مساعدة مختلفة بدعمه للمبادرة بمعدات سودانيز فويسز، ولفترة تجاوزت الأربعة أشهر بدون تذمر من استخدام الأطفال لها وفي كامل حماسه وعطائه".


سينما الشباب
سينما الشباب وهي عبارة عن تجمع للسينمائيين الشباب السودانيين لبناء القدرات في مجال صناعة الأفلام، وشهدي كان من أوائل الداعمين لسينما الشباب وجائزة تهارقا وبصورة شخصية، يقول مصطفى النعيم: "كنا نقوم بسلسلة أفلام وثائقية خفض سعر جهاز الصوت إلى النصف، وفي شخصه كان واحداً من متطوعي سينما الشباب في احتفالاتها السنوية واحتفالات جائزة تهارقا النوية منذ عام 2013، مؤخراً كان ينوي أن يدعم جائزة تهارقا عبر سودانيز، لذلك سنقوم بإهداء جائزة هذا العام إلى روحه".


نعيه
هذه السيرة المشرقة والعطاء غير المحدود والتفاني، قاد بالمؤسسات التي كان على صلة بمشاريعها إلى تقديم التعازي على روحه، فتقدمت سفارة الولايات المتحدةالأمريكية عبر صفحتها على فيسبوك بنعيه قائلة: "كان شهدي قائداً متفرداً وقدوة ومحبوباً لدى أقرانه حيث ساعد في إخراج الأفضل عند كل شخص، وجعل العالم مكانا أسمى. كما أنه كان صَديقاً للسفارة الأمريكية بالخرطوم والتي من المؤكد أنها ستفتقده بشدة".
أما المجلس الثقافي البريطاني بالسودان فقد قدم تعازيه عبر صفحته الرسمية وعبر صفحة برنامج هولا الذي كان أحد أعضائه الفاعلين، وقال: "كان الفقيد عضواً فاعلاً في المشروع مؤمناً بأهدافه وملتزماً بتحقيقها، صاحب مبادرات قوية وأفكار عظيمة تسهم في بلوغ أهدافنا.
شارك الفقيد في تخطيط وتنفيذ العديد من الأنشطة التي تخص المشروع، كما أنه صاحب مبادرات ومجهودات أخرى في قضايا الشباب، له رصيد كبير من محبة الجميع".


رحل عنا شهدي الحاج في رحيلاً مفجعاً، وفي جعبته الكثير من الأحلام والمشاريع، رحل بسلام في يوم السلام العالمي الذي كان حسب المقربين منه يعد للإحيائه كما في كل عام. نسأل الله أن يغمره برحمته ومغفرته بحق الحب والخير الذين زرعهما ويلهم أهله وأحباءه الصبر وأصدقائه والمواصلة على خطاه.
إنا لله إنا إليه راجعون.