قراءة في رواية: فئران أمي حصّة لـ سعود السنعوسي




بكل ثقة، أضع هذه الرواية بين أفضل الأعمال الأدبية التي قرأتها.. لم أعهد في قراءتي للأدب كتاباً أضحكني وأبكاني بقدره.. تلك الشفافية والتلقائية التي يحكي بها سعود بصدق وكأنه يحكي عن أحداث حقيقية..

كثافة تفاصيل الرواية الوقعة أحداثها بين عامي 1988 و 2020 تدفعك للإعجاب بتشابك تداعيات الأحداث على الشخصيات.. واختزاله المبهر للتفاصيل والشخصيات غير اللازمة وتكثيفه في غير إسهاب لأحداث وشخصيات العمل..

هذه الرواية التي تستميت في كل سطر فيها أن تصف حياة \ مشاعر \ أفكار بشر عاديين
تقتحم حياتهم السياسة والحرب.. وتتغلغلان في كل شي..
في كل قرار..
في كل روح تصعد إلى بارئها وإن لم تكن برصاصة..
فترسم مساراً جديداً لما يجري..

أو ربما كان يقصد حياكة السياة بالحياة الإجتماعية.. أنا التي لم استذق الحديث عن السياسة إلا في كتب أحلام المزخرفة اللغة.. أخذني هذا العمل الروائي

سعود انتقد أي الطائفية حدثت في دول الخليج.. انتقد العادات والتقاليد والتطرف الديني..  أثار أسئلة وجودية حرمنا من النطق بها.. ممرراً أسئلته بسلالسة على لسان البطل ذو الـ 12 عاماً شبّه سعود تعتم المجتمع عليها بقول والدة البطل "أضربك على شفتك" لثنيه عن معاودة السؤال..


أقدر له عدم إنصاف الطوائف الدينية في الكويت والعراق أثناء سرده.. متحاشياً حتى ذكر أسمائها في عدة مواقع.. مكتفياً بـ "نحن وهم"..


خفة ظل العجوز حصة وهي تلقي بعباراتها الطريفة هنا وهناك أصابني بالضحك أثناء قراءتي لأول مرة مذ بدأت بقراءة الروايات.. العجوز التي ماتت في منتصف الرواية تقريباً خلفت ورائها رماد حرب زينها الكاتب في الأجزاء التالية بأجمل مقاطع لأغاني عبد الكريم عبد القادر..
"رحت أعيد الأحذية والأنعل المقلوبة إلى وضعها الطبيعي. أوجه باطنها إلى موطن الشيطان، ذلك الذي كنت أخافه، أهينه مستمداً جرأتي من الله عبر تصرفات أمي حصة. لعين لا عمل له سوى مطاردتي. خبيث فاسد لئيم، كانت تقول. إن أنا أهملت قص أظافري سكن تحتها. يأكل من طبقي إن نسيت ذكر الله على المائدة. يدخل معي أي مكان أدخله بقدمي اليسرى. يستقبلني في الحمام إن دخلت بقدمي اليمنى. ينسل مه الهواء إلى باطني إن تثاءبت دون أن أحجب فمي بكفي. يبول في أذني إن نمت عن صلاة الفجر. كنت أحتاطه في كل شيء عدا فعله الأخير. أظنه فعلها كثيراً".



أصبت بالحزن على أصدقاء الطفولة الذين بعثرنتي عنهم المسافات.. ومنازل الإيجار القديمة التي سكنتها ولا عادت تنمي لي جدرانها..
الذكريات التي لا استطيع احياءها إلا في ذاكرتي..
"أشتاق إلى مكان قديم".
راح يسرد سيلاً وفيراً من ذاكرة طفولة متقدة، وكأنه يعبث بذاكرة شخص ما بينما يعبث بمشاعرنا نحن..

"هل تذكر أمي زينب تدفع عربة السوق المركزي على الإسفلت؟ مشاجراتنا الأولى. مدرسة النجاح. الأستاذ دسوقي ذو الشفتين الغليظتين. الأستاذ مرهف. مجمع الأنبعي ومكتبة البدور ومجلة الرياضي. قصص أمي حصة وجلوسنا في الحوش وقت انقطاع الكهرباء سبتمبر 90، ونجم سهيل. في مثل هذا الوقت تماماً قبل ثلاثين سنة. بطولة الصداقة والسلام. بيت الزلمات. الحبال والقمبار وسوق الذهب في البصرة. فوزية والشوكولاتة واعتكافها في غرفتها تقرأ روايات إحسان".
"وراء هذا السور كانت لنا حياة تضج بالحياة. ياه! وحدها ذاكرة الطفولة موشومة في الوجدان وكل ذكرة عداها عابرة".


 تسنيم دهب