البيوت أمهات







"ياما شايلك فيني حايم
لا الليالي المخملي
لا العمارات السوامق
لا الأسامي الأجنبي

في مثل هذا اليوم جئت إلى الدوحة، كان كل ما أملكه حقيبتي، أنشر محتوياتها وأسمي المكان الذي أقيم فيه منزلاً، الآن وبعد ثلاث سنوات أصبح لي منزل كل ما فيه يخصني، قمت بتضخيم مساحتي وحيزي هنا ليصبح أكثر من حقيبة سفر، ليصبح جزاءً من وجودي، أثقلتُ عن عمد ارتباطي بالمكان..

قبل هذه السنوات الثلاث كنت أعيش بشكل كامل مع أسرة، أتذمر عندما تتغير ألوان الستائر أو تصبح الصحون كل واحدة من بلد، أستخدم ثلاجتهم أشاركهم الكراسي وأتبادل معهم الأسرّة والأغطية والمخدات في ٩ منازل عشنا فيها سوياً، رحلة طويلة من التنقل من منزل إلى آخر ورمي ما يمكن رميه وإعادة تركيب القديم على الجديد (ناس الخليج فاهمين الحاجة دي) تجربة لا تسمح بالتعلق شكلت داخلي وعياً مختلفاً بالبيوت والأمكان التي أعيش فيها..
ثم صنعت لنفسي هذا المنزل، اخترت ورق الجدران والأثاث أواني الطعام، المنزل أتى بمسؤولياته التي يجب مراعاتها وتحملتها..
لكن حقيقة أن يصبح لي بيت جعلتني أدرك عن قرب مدى ضخامة فكرة الأسرة..

شكر الله عز الدين غنى:
"المي في الأزيار سبوع ضُمة مسروفات سرف
مافي زول هوّب عليهن غير طويراتاً ترف
الملاح سبروقاً أخدر باقي راجين بي الحرف
القناديل طق تطقطق والبليلي بقت غرف
ريحة اللبن المقنن من ورا البيت تتكرف"



المنازل أمهات، وكلما نعمّر منزلاً جديداً نحاول نسخ وتكرار الصور التي صنعتها أمهاتنا:
على ماذا نضحك؟
ماذا نأكل؟
متى نصمت ومتى نُشعل المكان دفئاً بالحديث؟
هذه هي التفاصيل التي تجعل من الجدران جدراناً للبيت..

الطبخ كان وسيلتي لتكرار منزل أمي، كان عمل مقاومة للوقت الذي أمضيه هنا دون صناعة ذكريات، كان تعبيراً عن المحبة، لكن هذه المحبة تحتاج لأفواه الآكلين..

أدركت أن لا قيمة للمكان بلا أشخاص، أحببت منزلي الذي صنعته، لكنني ما انتبهت أو ربما تغافلت عن حقيقة أنني لا أتعلق بالأمكنة التي أسكنها وإنما بما يحدث فيها.. 
نسج الذكريات فعل أمهات، وما يفتقده منزلي ليس الناس، وإنما إحساس الأمومة التي تُبنى بها المنازل، لكن الأشياء تصبح أكثر واقعية كلما عشتها بنفسك منفرداً..

تقول صافية الحلو: "Home is a place in time"