معرض سوميت للمنتجات الجمالية



المتابع لحركة الفنون البصرية وتنوعها يرى انفتاحاً ملحوظاً على إقامة المعارض، وهو ما يدعم التنوع الثقافي في السودان والذي اتضح أن الإقبال عليه أصبح في تزايد.

السوميت حجرٌ كريمٌ ذو أبعاد جمالية متعددة، يستخدم في السودان في مراسم الجرتق، تحوم حوله معتقدات مختلفة أبرزها أن فيه بركة، لذلك يربط بالخيط الأحمر الذي يتم تمريره حول عنق العريس والعروس على التوالي.
أحمد محي الدين وأحمد المصطفى خريجا كلية الفنون الجميلة شعرا في فترة الماضية أن نشاطهما كتشكيليين قل بسبب دوامة الحياة، فقررا أن يخلقا لنفسيهما حيزاً خاصاً، يقول أحمد محي الدين: "أنا كغيري من الفنانين التشكيليين كنت دائماً أحلم بامتلاك
مرسم، كانت فكرة، كبرت لتصبح مرسم وصالة عرض، كبرت أكثر وأصبحت مرسم وصالة عرض لأعمالي وأعمال غيري من الفنانين التشكيليين وغير التشكيليين (الأعمال اليدوية بكل أنواعها) وهو نوعٌ من الفنون ليس له ساحة عرض بشكل جيد، من هنا بدأ سوميت يشمل كل أنواع الفنون". المعرض تطور من الفكرة المختصرة للمرسم ليحوي المقتنيات القديمة والصور الفوتوجرافية وقطع الأثاث والأواني المنزلية، تتميز جميعها بأنها مصممة يدوياً، ويصبح بهذا التنوع مزاراً ومعرضاً مفتوحاً للجمهور يضاف إليه في كل فترة نوع مختلف من الفن التشكيلي.

الداخل إلى المحل يجده قطعة فنية، ابتداءً من الباب وضفرة الطوب في الأرض، والسقف ذو الأعمدة الخشبية التي تحاكي سقف الرواكيب، والجدران المجلدة باللوحات والخشب، والأثاثات المصنعة بطريقة توحي بالمشغولات التقليدية، وصندايق الذخيرة التي عدلت لتُخزن الملابس والاكسسوارات، كلها تحيي في الذاكرة إحساس المكان التراثي القديم.

المعرض يضم مجموعة الأعمال التي نفذها مؤسسا المحل، وأعمال لمصورين سودانيين مثل خالد حامد، وعصام عبدالحفيظ، وضياء خليل وغيرهم، بالإضافة إلى الفنانين التشكيليين، وبعض المشغولات اليدوية المعروضة في الأسواق، لكن مع الحرص على انتقاء المميز منها، كالسجاد مثلاً والذي يتم التعامل معه على أنه قطعة فنية مصنوعة يدوياً على فترات طويلة قد تمتد لشهور.

أحد أجمل الأعمال الفنية التي لفتت انتباهي في المعرض هو مصباح كهربائي مكون من ساق عنقريب عمره الافتراضي أكثر من 80 سنة وأصبح غير صالح للإستخدام كعنقريب، قام مؤسسا المعرض بإعادة تدويره واستخدام أجزاءه. قال أحمد: "وجدنا إنها طريقة جميلة ننقذ بها القيمة الفنية لبقايا قطعة تجاوز عمرها مئة عام".

مجموعة المقتنيات القديمة هي أحد أميز مجموعات المعرض، فهي تتكون من مجموعة من الأدوات المنزلية والأجهزة القديمة والقطع الأثرية، تعود أعمارها إلى عشرات السنين، كل قطعة هناك لها قصة تاريخية مميزة.

يفتخر مالكا المحل بمجموعة عريضة من الأعمال التشكيلية لفنانين سودانيين مختلفين، قُدمت لهم الدعوة للمشاركة في المعرض الدائم أو قاموا بالمبادرة بذالك. يقول أحمد محي الدين: "سوميت له طابعه الخاص، وروحه الفنية المحببة للجميع، كل زورانا يشعرون بأنهم في مكان مناسب للفن، يوازيه محاولتنا الدائمة لأن نكون مُجارين للمقاييس العالمية في إقامة المعارض، لهذا اكتسبنا ثقتهم وإنضموا لينا، فاستطاع المعرض ضم أجيال عمرية ومدارس فنية وتشكيلية مختلفة كان من الصعب أن تلتقِ في مكان واحد، كراشد دياب مثلاً، وبكري بلال وعبد الباسط الخالدي وحسين جمعان وخالد حامد، وعبد الباسط الخاتم، وأشرف عبد المنعم، جنباً إلى جنب مع طلاب الفنون الجميلة والفنانين الهواة، وهو الأمر الذي يخلق حلقة وصل بين عمالقة الفن التشكيلي والمبتدئين في السودان".

وعن تذوق الشارع العام لهذا النوع من المعارض يقول المؤسسان: "الناس تتذوق الفن بحس عالٍ، وقد أثرت فيهم تجربة رجل العناقريب التي حولناها إلى قطعة فنية. في الحقيقة كنا نتوقع إن زوار المعرض سيكونون من أجانب فقط، لكن حتى الآن أغلبهم سودانيون، وهو ما جعلنا ندرك أن ذائقة الناس لم تجد ما يناسبها من قبل، وأن سوق الفن التشكيلي ليس بالتنوع الكافي، فالناس تقتني المنتجات التجارية غالباً لأنها لم تصادف لوحات ذات قيمة فنية عالية مشغولة باليد في السودان. نحن في سوميت جالري نعتقد أن تكاثر هذا النوع من المحال والمعارض يخلق تنافسية جيدة تعتبر كسباً للمجال".

تحدثت مع أحمد محي الدين كثيراً عن اللمسة الفريدة في الفن التشكيلي التي نتمتع بها في السودان فقال: "الأفارقة يتمتعون بذوقٍ عالِ وثقافة غنية، كل قطعة في بيوت أفريقيا عبارة عن تحفة، نحن كسودانيين نتمتع بهذا الذوق الرفيع في مناطق السودان المختلفة، فسكان حلفا مثلاً أبدعوا في تلوين منازلهم المصحوبة بنقوش وأشكال متعددة وبتناسق بديع، في غرب السودان القبائل تزين الثيران لتصبح وحدها قطع فنية، السرج، البيوت وهودج العروس، أهل الشرق مشهورون بملابسهم وزخارفها وألوانها".

يقام في المحل مجموعة من المنتديات الثقافية والغنائية المغلقة كنوع من الترويج، ويخطط مالكا المحل لإقامة ورش عمل دورية تستهدف الهواة ومتذوقي الفن، تقوم بتدريس أساسيات الفن.
يقول أحمد: "
نُعد في سوميت لبرامج وورش عديدة، لكن حتى الآن قناتنا الرئيسية هي صفحتنا على فيسبوك وإنستغرام وبقية المواقع الترويجية مثل يا زول إيفنتس".

يقول المؤسسان: "هذا المكان معرض دائم غير متنقل له خصوصيته ورسالته الجمالية، ونحن نتبنى فيه كل فعل ومنتج جمالي، بغض النظر عن من هو المنتج، نحن نتبنى العمل الفني وقيمته الإنسانية وتأثيرها على حياتنا، وترسيخ فكرة الفن المتواجد في أبسط المنتوجات بعيداً عن الترف المادي. نطمح لأن نكون المرجع الأول لكل ما يتعلق بالجمال الإنساني، وأن نرتقي بأذواق المحتاجين ونلبي حاجات المتذوقين للجمال".

 

سوميت جالري 
كتب هذا المقال لصالح مجلة أندريا