سينما سودانية يقودها الشباب




يشهد قطاع صناعة الأفلام في السودان حراكاً غير مسبوق يقوده جيل واعد من الشباب يتلمس العديد منهم طريقه السنمائي لأول مرة، بمساعدة مواقع التواصل الإجتماعي وكاميرات الديجيتل، ساعين لإعادة حضور السينما وتعزيز تأثيرها في المشهد الثقافي في البلاد.
مجموعة سينما الشباب

صناعة الأفلام في السودان مرت بمرحلة ركود وتراجع لعقدين من الزمن لعب فيها التضييق السياسي دوراً أساسياً، حتى كادت تتلاشى لولا ثورة الإنترنت التي أنقذت المشهد، فمكّنت الهواة من تعلم تقنيات بسيطة وتطبيقها لإنتاج الأفلام.

يوتيوب وفيسبوك كانا محطتي انطلاق تشجيعية للعديد من المؤسسات، والأفلام القصيرة \ الطويلة \ الوثائقية، والمبادرات الشبابية افردية والجماعية؛ سينما الشباب كانت أحدها، وهي مؤسسة تعتبر نفسها سقفاً لرعاية السينمائيين الهواة، وتُعد بالفعل أحد أركان هذا الحراك وأحد بواباته في ذات الوقت، فالمبادرة في عامها الأول قدمت أكثر من ثلاثين فيلماً قصيراً، كما أنها تحيي في مثل هذه الأيام جائزتها السنوية تحت اسم "جائزة تهارقا الدولية للسينما والفنون" للعام الثالث على التوالي.

مهرجان السودان للسينما المستقلة هو أيضاً أحد أبرز الأحداث السينمائية في السودان، يتم إطلاق فعالياته في يناير من كل عام بقيادة "سودان فيلم فاكتوري"، وهي مؤسسة بدأت في 2010 بتدريب الشباب على صناعة الأفلام في السودان، وتقديم الدعم التقني والمعرفي واللوجستي لصنّاع الأفلام في السودان.

وفي حدث استثنائي عُرض على سينما الزمالك بمدينة ودمدني أول عرض سينمائي منذ أكثر من ثلاثة عقود، إذ غابت دُور العرض السودانية وتهالكت وأصبحت مهجورة، فلعبت دورها المراكز الثقافية الأوربية مثل المعهد الفرنسي ومعهد جوتة الألماني والمجلس الثقافي البريطاني بصورة متميزة لتعزيز فكرة دُور السينما، فقامت بفتح مسارحها للعروض المجانية للأفلام المحلية أو العالمية بانتظام، كان آخر أكبر هذه المناسبات مهرجان الفيلم الأوربي ومهرجان الأفلام العلمية.

تصوير: محمد التوم


رغم كل هذا الحراك، التحديات لا حصر لها، ففي مثل هذا النوع من المشاريع الفنية يقف الإنتاج كأكبر عقبة تواجه الشباب، إذ حتى الآن لا توجد مؤسسة سينمائية قادرة على تمويل صناعة الأفلام، بالإضافة إلى بطء تقبل المجتمع لحامل الكاميرا سينمائياً كان أو فوتوجرافي، وهو الأمر الذي تحدث عنه بحسرة مصطفى النعيم في حفل افتتاح جائزة تهارقا، إذ يؤثر بلا شك في كثافة وجودة الإنتاج.

طارق خندقاوي، ممثل ومخرج شاب خاض تجربة سينمائية شجاعة عبر فيلمه الجديد "القرصون"، طارق وفريق العمل لاقوا العديد من الصعوبات في تنفيذ فيلم طويل: " تأخر تنفيذ الفيلم لمدة عام كامل بسبب لجنة المصنفات الأدبية التي رفضت إجازة الفيلم ودخلنا معهم في نقاش طويل بسبب مشهد أم تزجر ولدها بمكنسة، حيث اعتبروه مشهد عنف، وكأنهم لا يعلمون شيئاً عن العنف الطلابي في الجماعات".

ومع ذلك ينجح السينمائيون السودانيون الشباب في شق طريقهم للجمهور حول العالم، وإثبات قدراتهم الإبداعية وعكس قضاياهم المحلية، كان هذا متمثلاً في حضور الفيلم السوداني في المهرجانات الإقليمية والعالمية، والنماذج متعددة، ففيلم "الملكية جوبا" الذي يحكي عن أزمة انفصال الجنوب من جانب إنساني، لقي حظه في العرض ضمن مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية، وفيلم "دهب ولم يعد" للمخرج محمد كردفاني كان حاضراً في مهرجان نواكشوط للفيلم القصير ومهرجان الإسكندرية السينمائي، وهو الآخر يحكي عن هجرة العديد من السودانيين للبحث عن الذهب الخام في مناطق غير آمنة.

تصوير: مجموعة سينما الشباب
ويحسب أيضاً في رصيد هذا الجيل النجاح الباهر لفيلم "إيقاعات الأنتنوف" لحَجّوج كوكا الذي حصل على جائزة أفضل فيلم وثائقي في مهرجانين هما: مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية ومهرجان قرطبة للفيلم الأفريقي، بالإضافة إلى جائزة البوابة الذهبية للفيلم الوثائقي في مهرجان سان فرانسسكو السينمائي الدولي.

لا غنى عن الأفلام كمصدر لخلق وعي مجتمع أو للتعبير عنه، كما أن السينما العالمية رغم كل شيء لا تعوّض عن اللهفة للمنتوج المحلي، ولذلك صناعة الأفلام في السودان فرضت نفسها من جديد، والآمال متعلقة بالدَور الفعّال والمباشر الذي يحدثه صانعوا الأفلام اليوم.

نشر المقال لصالح جريدة القدس العربي