تداعيات الاحتجاجات على نقل جامعة الخرطوم



الخرطوم – 5 يونيو 2016


خرج في أبريل الماضي طلاب جامعة الخرطوم في مسيرات غاضبة للتظاهر عقب أنباء ترددت عن بيع إدارة الجامعة لبعض مبانيها في وسط العاصمة وتحويلها لمزارات أثرية، واستمرت المظاهرات حتى مطلع مايو الحالي حتى قرار مجلس عمداء جامعة الخرطوم بتعليق الدراسة في مجمع الوسط بالخرطوم ومجمع كلية التربية بأمدرمان منذ الثالث من مايو وإلى أجل غير مسمى. حيث اعتبر المجلس هذه المظاهرات مهدداً لاستقرار الجامعة وأرواح طلابها ومنسوبيها وهو الأمر الذي أدى إلى توقف المظاهرات وإفراغ داخليات السكن الجامعي لدفع الطلاب العودة إلى ولايتهم.

هذه الأنباء خرجت للعلن في الرابع من شهر أبريل الماضي إثر خبر أوردته وكالة الأنباء الرسمية (سونا) عن لقاء جمع نائب رئيس الجمهورية بكلٍ من وزيرة التعليم العالي ومدير جامعة الخرطوم، وفي ثنايا الخبر أُشير إلى تبرع السيد نائب الرئيس بمبلغ عشرة مليارات جنيه سودانياً للمساهمة في مشروع نقل كليات الجامعة لمنطقة سوبا، ثم أتت تصريحات وزير السياحة لتعلن عن استحواذها على مباني الجامعة وتحويلها لمزارات أثرية ضمن خطة لإخلاء المباني المطلة على شارع النيل، وهو الخبر الذي نفته إدارة الجامعة صبيحة اليوم التالي مباشرة.

المظاهرات المنطلقة من داخل وحول محيط مجمع الوسط والذي يضم كليات العلوم والآداب والقانون والإقتصاد والعلوم الرياضية والعلوم الإدارية والهندسة، سبقتها مخاطبات طلابية ومسيرات داخل الجامعة واعتصام عن الدراسة للإستجابة لمطالب الطلاب التي تمثلت في: الإعلان عن إجراءات ومواقيت لقيام اتحاد الطلاب وقيام مؤتمر صحفي لمدير الجامعة ينفي فيه الأخبار حول بيع ونقل الجامعة، حتى تصاعدت وتيرة الاحتجاجات إلى المواجهة المباشرة بين الطلاب والشرطة، وقابلتها شرطة مكافحة الشغب بالغاز المسيل للدموع والرصاص الحي الذي أسفر عن عدد من المصابين والمعتقلين. بالإضافة إلى فصل ستة طلاب فصلاً نهائياً وإيقاف أحد عشر آخرين عن الدراسة لمدة عامين، بتهمة المشاركة في الأحداث التي وحسبما تقول إدارة الجامعة: أعاقت الدراسة وأدت إلى إتلاف الممتلكات والتعدي على العاملين.
 
قرار الفصل والإيقاف الذي فاقم المشكلة وأدى إلى استمرار الإحتجاجات لعدة أسابيع أخرى، نتج عنه اعتقال أحد عشر طالباً وطالبة في الخامس من مايو، من مكتب الأستاذ نبيل أديب المحامي الذي تم تفويضه من قبل أسر المفصولين لرفع دعاوى قضائية ضد الإجراءات التي قامت بها الجامعة، والتي أشار إليها البيان الصحفي الذي أصدره أولياء أمور الطلاب المعتقلين، المتجاوز لدستور جامعة الخرطوم وقوانينها ولوائحها الأساسية، إذ يقوم بفصل الطلاب وإيقافهم عن الدراسة دون عرضهم على مجلس تحقيق أو منحهم حق الدفاع عن أنفسهم. كما يحتج البيان على اعتقال الطلاب، محملاً إدارة الجامعة مسؤولية حياة ومستقبل الطلاب الأكاديمي.

موجة الإحتجاجات هذه لم يخمدها التصريح الرسمي لمدير جامعة الخرطوم البروفيسور أحمد محمد سليمان، الذي صدر في 6 أبريل الماضي بعد بدأ الاحتجاجات، والذي نفى فيه نية إدارة الجامعة بيع مبانيها، وأكد على حرص المسؤولين وتقديرهم للإرث الأكاديمي والتاريخي لمبانيها الأثرية، وقال بأن ما يتم الآن هو نقل للكليات تدريجي للكليات إلى موقعها الجديد في منطقة سوبا شرق مدينة الخرطوم، ويجري هذا النقل حسب توفر الميزانيات للإستفادة من الأراضي المملوكة للجامعة وتوسيع قدرتها الاستيعابية عبر المباني الجديدة والمؤهلة التي أنشأت أو التي تعمل على إنشائها.


جامعة الخرطوم ذات القيمة التاريخية والأثرية، والتي يصفها طلابها وخريجوها بالجميلة المستحيلة، تتمتع بموقعها السياحي المميز في وسط الخرطوم بالقرب من نهر النيل الأزرق، فقد تأسست منذ أكثر من 114 عاماً تحت اسم كلية غردون التذكارية على يد اللورد كتشنر أثناء فترة الإستعمار الإنجليزي على السودان عام 1902، لتصبح بذلك إحدى أعرق جامعات المنطقة وأقدم معالم مدينة الخرطوم. ثم توسعت منشأتها وكلياتها لتضم اليوم  21 كلية و 12 معهد مقسمة على 5 مجمعات جميعها داخل ولاية الخرطوم، بقدرة استيعابية تصل إلى أكثر من 25 ألف طالب بكلاريوس، 10 آلاف طالب دبلوم وسيط و4 آلاف طالب دراسات عليا.

و.أ طالبة كلية الهندسة تقول بأن استمرار الإحتجاجات رغم نفي الخبر هو مطالبة بأخذ الجدية في الإدلاء بالتصريحات: "ما جعلنا نستمر في الإحتجاج هو التضارب الواضح بين تصريح وزارة السياحة التي تقول أنها باعت مباني الجامعة وإدارة الجامعة التي تنفي، واحدة من هتافاتنا كانت (يا جميلة يا أمي بفديكي بيدمي) جامعة الخرطوم هي أمنا، وبالتالي إصرارنا على معارضة قرار النقل هو مناشدة لمن يملك السلطات الحقيقية في هذا الأمر بأن يتم التعامل معنا بجدية وشفافية أكبر لفهم الوضع".
"في البداية كنت أرى أن اتنقال الجامعة لسوبا له أسباب مقنعة، كتهيئة الببيئة الدراسية، إلا أن التعامل الحاد مع المتظاهرين بالغاز المسيل للدموع والإعتقالات جعلني أدرك أن القضية مهمة".
وعن انعكاس الأحداث على مجرى الدراسة تقول ولاء: "اعتصمنا عن الدراسة لمدة ثلاثة أسابيع بسبب اعتقال ثلاثة طلاب من كليتنا".

و.ب طالبة المجاستير تحلل القضية اقتصادياً وتقول: "تحليلي للأمر أوصلني لأنه لا يمكن أن يكون نقل الجامعة حقيقياً، إذ لِمَ يتم التعدي على واحدة من أكبر رموز البلاد الأثرية والثقافية، كما أن عدم تفاعل المجتمع الدولي واليونسكو دليل على أن الأمر فقاعة. على الأغلب تم رهن المباني في فتره ما وتعثرت الجامعة في السداد وهو المتوقع مع اقتصادنا الحالي، فانتشرت الإشاعة بالتزامن مع ارتفاع الدولار، وهو ما يعني اقتصادياً زيادة في الطلب زادت الأسعار وهو ما يتوافق مع نظرية  تسديد الدين. يخرج الخبر، يتظاهر الطلاب، تصريحات باهتة من قبل الحكومة وقمع قاسٍ للمظاهرات وإغلاق الجامعة إلى أن تنتهي القصة. إخراج الشائعة كان تغطية للموضوع.

نقل الجامعة فعلياً يحتاج لمجهود أكبر من بضعة مباني في سوبا، وليس باستطاعة الحكومة صرف كل هذا الوقت والجهد في مشروع وبمقومات جامعة الخرطوم الحالية".

محاضرات و.ب وزملائها كانت مستمرة رغم الغاز المسيل للدموع، وتبرر: "لم تلغ أي من محاضراتنا طوال فترة الإحتجاجات ولم تعلق الدراسة، فبرنامج الماجستير يعتبر برنامج خاص يخضع لشروط مختلفة من قبل الجامعة. وبعد 7 سنوات من الدراسة في جامعة الخرطوم يصبح السيناريو مألوفاً، تبحث عن الطريق السالك لتصل إلى محاضرتك".



ا.ح الأستاذ بجامعة الخرطوم حلل المشكلة وأعطاها أبعاداً أكثر مما تبدوا عليه ظاهرياً فقال: "أعتقد أن التعقيدات التي وصل إليها الأمر وإغلاقها لأجل غير مسمى يعود لأسباب متشابكة: أولاً: بعد نفي بيع الجامعة من الجهات الرسمية كان يمكن لإدارة الجامعة امتصاص الأمر بهدوء لكن اعتقال الطلاب فتح نوافذ جديدة للإحتجاج. ثانياً: تجاهل إدارة الجامعة للقاء ممثلي الطلاب ورفض التعامل الهادئ معهم زاد من حالة انعدام الثقة وإحساس الطلاب بأن هناك ما يدبر لهم. ثالثاً: الكلمة العليا في تسيير الأحداث كانت بيد الأجهزة الأمنية لا إدارة الجامعة ويتضح ذلك جلياً في الطريقة التي تم بها فصل طلاب وأوقف بعضهم. رابعاً: نجحت حكومة الإنقاذ عبر ربع قرن في إضعاف النقابات وظهر هذا في الموقف الضعيف للأساتذة فلم نشهد أي مبادرة قوية تساعد على تجاوز الأزمة. بل لم نسمع أي احتجاج أو حتى مناشدة بخصوص الطلبة المفصولين أو الموقوفين أو المعتقلين. خامساً: غياب اتحاد الطلاب أضعف الممارسة السياسية والمطلبية للطلاب ويتضح هذا في طريقة تعاملهم مع الأحداث، إذ كانوا دوماً في موضع رد الفعل أكثر من كونهم صانعين للأحداث".



ص.ح الأستاذ بجامعة الخرطوم يقول: "هنالك أزمة ثقة بين مكونات الأسرة الجامعية بمختلف أطيافها من جهة، وإدارة الجامعة من الجهة الأخرى، هذه الإدارة تمثل الوجه الكالح لنظام الحكم، فمدير الجامعة يفتقد الكفاءة والخبرة والحنكة وهو يسير وفق التوجيهات التي تأتيه من خارج الجامعة، لذلك القناعة التي عند الكثيرين أن هنالك مخططاً حقيقياً لنقل كليات الجامعة استجابة لتسليم الجامعة لجهةٍ ما سبق أن اشترت أراضي الجامعة حسب حديث وزير السياحة الذي اتصل به عدد من الأساتذة وهو يؤكد البيع بصورة جازمة".
ورغم هذا يرى الدكتور عصمت أن المشكلة ليست بالعصية على الحل، فهو يقترح: "إرجاع الطلاب المفصولين وإلغاء القرارات السابقة، والإعلان عن قيام اتحاد للطلاب".
وعن تأثر الجامعة بما يحدث من احتجاجات فقد قال: "مثل هذه الأحداث وكونها أصبحت أشبه بالدورية كل عامين تؤثر ابتداءً على سمعة الجامعة وثانياً على مستوى التحصيل الأكاديمي وتخلق بيئة غير مشجعة للبحث العلمي بسبب المضايقات الكثيرة التي تحيط بالبيئة الجامعية".